…. طبعا فكيف لا يكون قد سرق وأنا لما تذكرت ملابسات الواقعة، وجدت أنه عندما وضع (معاذ) المحمول بالسرير مباشرة دخل طلاب السنة الثانية وأحدثوا ضجة كبيرة بالغرفة وأصبحت الغرفة مملوءة يعني يمكن لأي منهم أخذه بسهولة بالإضافة إلى أنه عندما عدنا من ممارسة الرياضة تلك الليلة وجدنا النافذة مكسورة، فالأمر إذن يقبل وجهتي نظر: سواء الفاعل كسر زجاج النافذة ودخل لسرقة الهاتف وإما استغل فرصة تواجد عدد كبير في الغرفة فقام بأخذه دون انتباه أحد. لم تنفع الشكاوي التي قدمت للحارس العام سواء عن النافذة المكسورة وإمكانية إصلاحها أو عن السرقة وإمكانية إيجاد الفاعل والتعويض، في كلتا الجريمتين لم يتم تحريك ساكن فما كان لي سوى الخروج إلى الحديقة الموجودة أمام الثانوية والامتداد على العشب أمعن النظر في شكل الهلال الجميل وأستغيث المولى. فجأة، بدأت السحب تتحرك وتشكل معا صورا بشكل سلس ومتأني، أخذت أنتظر استكمال السحب لرسمها البديع وعندما انتهت من رسم الصورة بدأت تتحرك كأنها شريط سينمائي وما رأيته كان ساحرا… رأيت صورتي وعائلتي نجلس حول مائدة إفطار مليئة بالـ”شهيوات” ونستمع في نفس الأحيان إلى الراديو مذيعا أغاني أندلسية تطرب الآذان و تتلج الصدر احتفالا بالعيد “الصغير” _ تلك الصورة التي تعودنا عيشها صباح كل عيد في البيت _ ثم فجأة نهضت من حولهم وتركتهم يكملون إفطارهم، لم يسألني أحدهم إلى أين أنا ذاهب خرجت من البيت ووجدت رواقا طويلا مظلما أول ما خطوت الخطوة الأولى حتى غلق باب البيت من ورائي مشيت قليلا فاكتشفت أنني أمشي على أرض بطول لا متناهي من خلال شعوري بالفراغ من حولي وسماعي لصوت هوان الأرض التي أمشي عليها، علمت حينها أنني أمشي فوق جسر واه، حينها وقفت تم أخرجت من جيبي جهاز إلكتروني صغير ورميته إلى الفراغ الأسود لتخفيف الوزن. لكنه لم يكن كافيا لذا قمت أيضا بخلع العمامة التي كنت مرتديها على رأسي بمناسبة العيد وقذفت بها هذا بالإضافة إلى الساعة اليدوية وقلادة عزيزة على قلبي تحمل صورة جماعية لأسرتي بأكملها. فجأة، سمعت صوت (أمين) وهو يقول: “استيقظ، استيقظ.. عليك أن تدخل هل ستنام على العشب؟” لم أدرك إلا متأخرا أنني كنت في حلم، لا ليس حلما بل رؤيا أكيد لها معنى يجب أن أكتشفه.
لا أذكر كيف أمضيت العيد هناك، لكن كل ما أذكره أنه اتصلت صباح اليوم الأول بعائلتي أبارك لهم وأخبرهم أنني لن أكون معهم وأخبروني أنهم قاموا بالاتصال بي وأجابتهم العلبة الصوتية فبررت لهم الأمر بأن البطاقة الرقمية الخاصة بهاتفي تعطلت وسأقوم باستبدالها قريبا. أما عن بقية اليوم وحتى اليوم الذي بعده لا أذكر فيه سوى شرائي لبعض الدفاتر والأقلام وأيضا اقترضت من أحد طلاب السالفين بعض الدروس والفروض المحروسة التي ستفيدني هذا العام. لذا كنت صباح يوم الاثنين على أهبة الاستعداد، وصلت إلى المطعم في وقت مبكرة لأخذ أول فطور رسمي وهو عبارة عن ياغورت بارد و قطعتين من الحلوى تبلغ قيمة هذا الفطور أربعة دراهم. توجهت بعدها إلى القسم سحبنا الجدول الزمني من الإدارة واكتشفت حينها أن الحصة الصباحية ليوم الاثنين أي –هذه الحصة- هي حصة رياضيات. وأخيرا، سأرى ذلك الأستاذ الذي تشوقت لرؤيته.
مضى الأسبوع الأول من الدراسة، وحانت ساعة العودة للمنزل بحجم فرحتي لرؤية والداي وأسرتي من جديد بحجم يأسي وأساي مما رأيته هذا الأسبوع الدراسي الأول. لم أكن أعرف أنه سيكون جحيما إلى هذه الدرجة، لم أكن على علم بأن الحياة الدراسية في الأقسام ستكون بهذه الحماقة والقسوة لم تكن نهاية البيزوتاج ولا نهاية الصيام في جو مشمس هي الخلاص بل كانت كالسلطة التي نقدمها في بداية الأكل لا تقوم سوى بتهيئتك للدخول في الوجبة الرئيسية. نعم، الدراسة هي الوجبة الأساسية في الأقسام التحضيرية، عالم الأقسام هو الجحيم بعينيه. البرمجة الأسبوعية للدراسة هي كالآتي: ثمان ساعات كل يوم ابتداء من الاثنين إلى غاية الجمعة، أربعة ساعات يوم السبت بمجموع أربعة وأربعين ساعة في الأسبوع تنقسم إلى أثنى عشر ساعة من الرياضيات، عشر ساعات من الفيزياء، ثمان ساعات من العلوم الصناعية، أربعة ساعات من الفرنسية، ساعتان من الإعلاميات، ساعتان من الترجمة، ساعتان من التربية البدنية، ساعتان من الإنجليزية وأخرى من التطبيق العملي.
نفتتح أول الأسبوع بمقابلة أستاذ الرياضيات الذي أصبح وجها مألوفا لدينا كوننا نراه أثنى عشر ساعة كل أسبوع، أول مرة رأيته فيها صدمني شكله وشخصيته وطريقته في التعامل، يعتبر ولحد كتابتي لهذه السطور الأستاذ الأغرب الذي قابلته طوال حياتي. كل يوم، يأتي من بيته إلى قاعة الأساتذة مباشرة يجلس وحيدا ينتظر أن تدق الساعة تم يحمل ملفا بلاستيكيا ما بين أبطيه يجمع فيه كل أوراقه الشخصية متوجها إلى القسم، الكلمة الوحيدة التي يقولها بالعربية والتي تتمحور خارج مقتضيات الدرس هي “السلام عليكم” وأحيانا يدخل دون قولها، يحمل الطباشير ثم يأخذ في كتابة الدرس وهو يهمس معتقدا أنه بذلك يشرح لنا الدرس في حين أن ما يقوله لا تسمعه سوى أذناه، وبالرغم من نرجسيته وصوته المنخفض، فهو شخص منظم جدا ومحدد هو الأستاذ الذي يسرع ببطء. يقف عند كل كبيرة وصغيرة في جميع الدروس، يضع التمارين يناقشها ويصححها بنفسه، كل هذا في وقت قياسي وخيالي جدا يعود الفضل في توفقه في ذلك أنه لا يسمح بمناقشات خارجة عن الدرس كما أنه لا أحد من الطلاب يجرؤ على سؤاله عن نقطة معينة لأننا نعرف مسبقا أن الإجابة ستكون منخفضة الصوت. لكل ذلك، عرفت لماذا لم يحضر يوم البيزوتاج فهو أمير متتبعي فلسفة الماشيين ‘جنب الحائط’. بحصة الرياضيات، يوجد صمت مهول لأننا نحاول توفير أفضل ظروف الهدوء والسكينة لكي تستطيع أذاننا أن تلتقط ولو كلمة واحدة قد تكون مهمة لمصائرنا فيما بعد. لم أستغرب أن لا أحد يعرف اسم هذا الأستاذ لطبيعته الانطوائية والخجولة لكن كان هناك اسم معروف لدى الجميع نطلقه عليه وهو اسم “زمٌامة”. أنا شخصيا، من أشد المعجبين بمادة الرياضيات أحب أسلوب البرهنة حتى في الحياة اليومية أعشق أن يكون لكل شيء سبب أبحث لمعرفته لذلك لم أتوارى في البحث عن معنى للرؤيا التي راودتني الليلة الأخيرة من رمضان. لكن مع الأستاذ الجديد. لم يكن الرياضيات مطمحا في حياتي، فجذور عشق المادة يقوم بزرع بذورها الأستاذ أولا وأخيرا فغالبا ما تحب المادة بسبب الأستاذ والعكس وارد أيضا. لذلك خفت بعد تلقن بعض الدروس من ‘زمٌامة’ أن أصبح كارها للرياضيات. لا أستغرب أن تصدر معدتي أصوات غريبة في الحصة الرياضية لأن هذه الحصة دائما ما تكون صباحية والكعك المرفق بالياغورت لا يسمن ولا يغني من جوع، لكن ما لا أفهمه لغاية الآن هو ذلك النوم الرهيب الذي أشعر به بداية الحصة الرياضية بالرغم أنني أنام أول شخص. فما أن يبدأ ‘زمامة’ بإصدار صوته اللامسموع حتى تجدني غطت في سبات أحيانا يصل بي إلى مرحلة مغازلة الأحلام. حاولت مرارا وتكرارا أن أصمد ولو للساعة الأولى طوال الأسبوع الأول بجميع الأساليب لكن لم ينفع.
من الوجوه المألوفة والمتكررة طوال الأسبوع يوجد أيضا، الوجه البشوش والمبتسم بشكل يصل أحيانا إلى الاستفزاز وجه أستاذ الفيزياء (حنين)، يعتبره العديد من الطلبة بمثابة “الفقيه” بسبب حدته وطريقته الإرهابية نوعا ما في التدريس، فكثيرا جدا ما تمتزج النظريات الفيزيائية وشرح ظواهرها مع بعض التحذيرات من الامتحان الأخير وأذكر أنه أطلق عليه ألقابا عديدة كالحرب العالمية الثالثة والمخزون العلمي هو الأسلحة، أو الكعكة والتي إن لم تكن حازما لما أخذت حقك منها وسط مجموعة من المتلهفين إليها.. هو من الأساتذة القديمة جدا في المركز، فمسيرته الطويلة في تدريس نفس الشيء جعل في طريقة شرحه نوع من الرتابة ، صفة أخرى يشترك مع ‘الفقيه’ الذي يتلو القران دون تضرع أو حتى تمييز لما يقرأه بل يتلوه بشكل ميكانيكي بحت يريد به كسب القوت لا غير. بمناسبة كسب القوت، أتذكر حينما سأل أحد الطلاب (حنين) عن إمكانية تواجد حصص (شفوية) _ هي عبارة عن حصص إضافية يتم برمجتها غالبا مابين الساعة 12 زوالا والواحدة أو الساعة الواحدة والثانية _ يمتحن فيها ثلاثة أشخاص شفويا عما درسوه طوال مدة محددة _ فأجاب بكل برود: “لن أقوم بها لأني لا أتقاضى عنها” لكن بالرغم مما يحمل هذا الـ(حنين) من عنف وحدة مع الطلبة كنت شخصيا، أعشق الدخول عنده على الأقل أتذكر عنده صوت اللغة العربية فهو بالإضافة إلى ميكانيكية عمله وسخطه على الوضع وابتساماته المستفزة هو أيضا واحد من الأساتذة الذين يقضون دقائق طوال للبحث عن الكلمات بالفرنسية وحتى عند إيجادها، نطقها يكون كارثيا. وكالرياضيات أيضا والعلوم الصناعية مادة الفيزياء تنقسم حصصها إلى نوعين، الأول: عبارة عن دروس نظرية والثاني: عبارة عن أعمال توجيهية أو بطريقة أخرى هي حصة لحل بعض التمارين التطبيقية التي – من المفروض – أن نكون قد سبقنا في تحضيرها، (حنين) لا يتبع منهجية أستاذ الرياضيات الذي يقوم بكل شيء بل يؤمن بأنه بما أنه فعل ما عليه في حصة الدروس فحان وقت الطالب للعمل في هذه الحصة، لذا كان حلول هذا النوع من الحصة أمرا استثنائيا لم أفهم إلا متأخرا لماذا؟ حلت الحصة الأولى من الأعمال التوجيهية ودخلت القسم بشكل عادي جدا بالرغم من أنني لم أقوم بتحضير شيئا، دخل الأستاذ وأخذ صفحة التمارين تم بدأ يتلو محتوى التمرين الأول. فور انتهائه سألنا عن الطريقة الفعالة لحل التمرين فإذا بسكون رهيب يخيم على القسم يتبعه صوتي المرتفع والمتحمس أريد بذلك الإجابة فإذا بالأستاذ يمد إلي الطباشير مشيرا لي بأن أصعد إلى السبورة وأكتب عوض أن أتكلم في البداية رفضت لكنه أجبرني فتوجهت ألي السبورة واستطعت أن أحل الموضوع بنجاح، لم أعرف إلا بعدما صعد طالب آخر أنه علي توخي الحذر في المرة القادمة لأن (حنين) مشهور بكونه يمارس البيزوتاج على من يخطأ أمام السبورة.
تنقسم العلوم الصناعية ٌإلى علوم كهربائية وميكانيكية، كل واحدة تتطلب نوعا معينا من المجهود والتفكير ولكل منها أستاذ له عالم مختلف تماما عن الآخر، وفي الشعبة التي أدرس بها (تكنولوجيا وعلوم المهندس) لا يلج لها سوى طلاب الباكالوريا التكنولوجية سواء كهربائية أو ميكانيكية وأنا واحد من طلاب الباكالوريا التقنية الكهربائية، لذا لم أجد مشكل في حصة العلوم الكهربائية من خلال محتوى الدرس لكن المشكلة العظمى تقبع في الحقيقة في أستاذها. شخصية تشبه إلى حد كبير أستاذات اللغة الفرنسية في المستوى الابتدائي اللواتي يعذبن تلاميذهن لأنه لم يحفظوا جيدا قصيدة شعرية أو أنهم لم يحضروا الأقلام الملونة. (فنكوش) وهو أستاذ العلوم الكهربائية، نحيف، منظم ولديه لكنة خاصة لا يهدأ له بال إلا إذا رأى الجميع حاضر ومعه أقلامه ودفاتره ودروسه مكتوبة بشكل منظم ويتابع بهدوء .. وان لم يكن يفضل أن يقوم بعملية الطرد على استكمال الدرس لذا لم أصبر أكثر من نصف ساعة وكنت واحدا من الذين طردوا في أول أسبوع بسبب حديثي مع طالب بجانبي (أمين). لابد أنه لم يكن يعرف ماضيي الأسود فبالرغم من تفوقي دراسيا إلى أنني من أشد المجتهدين شغبا أتذكر أن النقطة الأولى التي حصلت عليها في المواظبة والسلوك طوال سنوات الثانوية والإعدادية كانت 15 من أصل 20 في السنة الثانية إعدادي-الدورة الثانية- وأقل نقطة كانت في السنة الأولى الثانوي –الدورة الثانية- وهي 10 من أصل 20 لكوني شخص كثير الغياب وشديد الثرثرة والضحك في القسم لا أعلم من أين أتيت بهذا السلوك لكن أستطيع القول أنه أمر فطري كوني أكره أن أكون مقيدا بالحضور وكأنني أدرس بالإكراه ربما قد تكون الطريقة التي تربيت بها هي من زرعت هذا الكره بداخلي لأن والداي أعطياني حرية تامة سواء في اختياراتي الدراسية أو الشخصية، كما أنهما لا مباليان تماما بم إذا راجعت دروسي أم لا ولست أيضا من الأطفال الذين تربوا على الحرمان من استعمال الحاسوب والإنترنيت أو مشاهدة التلفاز. بالإضافة إلى حبي للحرية وكرهي للتقيد أنا شخصية ضاحكة جدا أحيانا بشكل مبالغ فيه، أحب الابتسام لذلك لا أستطيع إمساك نفسي حتى وإن كنت في القسم وهذا سبب طردي من الحصة عدة مرات في حياتي الدراسية، أدكر أنني “الله يسمح ليا” ضحكت في أوقات غير مناسبة تماما: المرة الأولى زارت إحدى جاراتنا أمي وبدأت تبكي في حضنها بسبب ما فعل بها ابنها وأنا أسمع عويلها أضحكني صوتها العجيب دون أن أبالي بسماعها لقهقهاتي ومرة أخرى لم أمسك نفسي من الضحك على مشهد ساخر رغم أنني من المفروض في عزاء. (السروخ) هو الاسم العائلي لأستاذ العلوم الميكانيكية، شخص متعالي بشكل كبير فبالرغم من لباسه البسيط وحقيبته اليدوية البالية التي دائما ما يحملها بيساره وهي مفتوحة لا أعرف هل بسبب مشاكل بصرية أم أنه يحب أن يقوم بإشهار ما لديه من أوراق داخل الحقيبة إلى أنه لا ينزل أنفه إلى الأرض ودائما ما يتكلم معك بلغة العارف المثقف لا أنسى أنني كنت في أول حصة أقضيها عنده ‘أضحوكة اليوم’ لأنه عندما حاولت الإجابة على سؤال طرحه لم أجد في قاموسي الفرنسي مرادفا لكلمة “مساحيق” فرد علي بشكل استفزازي: “انطقها بالعربية فقط” من طريقة قوله جعل القسم ينفجر ضحكا حينها. لكن مع ذلك لا أنكر أنني أحببت هذه المادة بالرغم أنها ليست من ميولي بتاتا كوني أعجز عن تخيل حركة الأنظمة الميكانيكية وهو شيء ضروري توفره في الطالب لحل المسائل المتعلقة بالعلوم الميكانيكية.
للغات أحقر مكانة في الأقسام التحضيرية، فالعديد من الأساتذة لا يتقنون المادة الأم وهي اللغة الفرنسية بالإضافة إلى أن الحصص وأساتذة اللغات مستهان بشكل كبير، في الفرنسية حظينا بأستاذ في أول تجربة تدريس له يقضي ساعات من أجل الكتابة على الصبوة كلمة تشعر وكأنه تلميذ حضانة يقوم بتتبع الخطوط المنقطعة لكي يشكل حرفا، شديد التوتر ولديه شخصية ضعيفة نوعا ما تجعل الفوضى عارمة داخل القسم. لا أنكر أنه كيفما كان الحال فمستواه اللغوي مميز لكنه لا يضيف الشيء الكثير لنا بشرحه البطيء والمتوتر. في اللغة الإنجليزية حظينا بأستاذ يهوى الراحة وبما أنه يعرف أن وقتنا ضيق فكلما طلب منه بعض منا بتأجيل الحصة يوافق بشكل سريع لدرجة أنه لم ندرس طوال السنة سوى حصص الفروض المحروسة. وأخيرا في اللغة العربية وجدنا أستاذ مستواه عالي جدا أشيد به لكن ليس لديه أدنى سيادة في القسم لدرجة أن أنجب الطلاب وأقلهم شغبا يقومون بأعمال مريبة داخل الحصة.
عندما انتهينا يوم الجمعة من هذا الكم الكبير من الحصص الدراسية ومقابلة شخصيات الأساتذة المختلفين لم أستطع أن أكمل يوم السبت أيضا (حصة الإعلاميات) كما أنني اشتقت كثيرا للمنزل لهذا قلت في نفسي لم لا أتغيب هذه الحصة فهذه ليست المرة الأولى التي أقوم بها بعمل مماثل. ركبت الحافلة وأنا أقول في نفسي ما الحل؟ فالأسبوع الأول وضح لي أمر واحد، أن كل هؤلاء الأساتذة بالرغم من اختلافهم منهم المعقد والانطوائي والمتعالي و المتحاذق والكسول وغيرهم الى أنهم يشتركون أمرا واحد. لا يمكن أن تعتمد عليهم، لفهم الدرس فأغلب الحصص خرجت منها بأقل من 40بالمائة مما يجب أن أخده، قد يكون السبب مني أو منهم لا أعلم لكن ما أعلمه جيدا أنه علي التفكير في طريقة أخرى لكي أستطيع مجاراة الدراسة بالأقسام التحضيرية. عندما وصلت، لم تنسى والدتي أن تسألني عن هاتفي المحمول فاستمرت في الكذب عنها لكن لحسن الحظ لم تطلب مني رؤيته، لم أشعر بنفسي حتى وجدت أنه حان وقت العودة للدراسة من جديد، مضى علي وقت الاستراحة هذا بنفس وقت الاستراحة التي يجلس فيها إمام الجمعة ما بين الخطابين, حينها، شعرت بقيمة الوقت وكيف أن الدراسة بالأقسام التحضيرية تطلب منك كل ثانية.
لكل منا مواهب وأنشطة يحب القيام به, أنا أهوى مشاهدة ومتابعة الأفلام، كما أعشق الجلوس أمام الحاسوب ودخول الانترنيت وإنشاء المواقع والكتابة سواء روايات أو قراءات نقذيه بالإضافة إلى أنني من مدمني النقاش في المنتديات خصوصا المنتدـى الذي أصبح بمثابة بيت لي (ستار تايمز). طوال حياتي الدراسية، لم تلهيني هذه المواهب عن دراستي وكنت موفقا جدا في التوفيق بين الدراسة وكذا الجلوس بشكل متطرف أمام شاشة الحاسوب سواء لمشاهدة الأفلام أو متابعة أخبارها أو الكتابة أو المناقشة في مواضيع خصوصا السينمائية منها. لكن وبعد تفكير عميق، اكتشف أن الحل لمجاراة الأقسام التحضيرية وهي بتخصيص وقت خارج الحصة الدراسية من أجل التحضير والفهم لملئ الـ60 بالمائة التي لا أستطيع أخذها داخل القسم ومن أجل ذلك علي التضحية بما أفعله خارج الإطار الدراسي لذا قمت بالتخلي عن أوصافي في منتدى ستار تايمز وانخفض مستوى متابعتي للأفلام لكنني لم أعرف أن الأمر سيتطور ويصل إلى أن أفقد إحساسي بالوقت وتلهني الدراسة عن قرائة القرآن والصلاة بشكل مستمر وتجعلني أضحي بموقعي وبوقتي مع أسرتي الغالية. حينها عرفت أن التضحية هي ثمن التأشيرة إلى عالم المهندسين وفهمت المقصود من الرؤيا التي رأيتها نهاية رمضان.
عدت من جديد لجو الغرفة ذات النافذة المكسورة، وجو الرواق المتسخ والتي تفوح منه شتى أنواع الروائح الكريهة نمت وأنا أتجمد بردا كالعادة تم استيقظت وأنا أشعر وكأنني قضيت عدة شهور بالرغم أنني لم أقضي سوى أسبوعا واحدا، دخلت المطعم أقتني الفطور الرخيص، تم توجهت إلى القسم وتمركزت في الطاولة الأخيرة بسبب امتلاء جميع الطاولات الأخرى جلس إلى جانبي (أمين) كالعادة، فجأة دخل أستاذ الرياضيات النرجسي وأخذ ملفه الأخضر بين يديه ثم نادى على إسمي، مشيرا بأصبعه بأنه علي التوجه إلى الحراسة العامة استغربت لوهلة لكنني تذكرت أنني تغيبت حصة الإعلاميات. حملت حقيبتي وتوجهت إلى الحارس العام (سفوري) مرتاح البال لأنني أتذكر جيدا كم كان ودودا ومتعاونا معي يوم التسجيل لذا فكان من الأكيد أنه سيقابلني بنفس التعاون. دخلت وشرحت له الأمر، سألني عن سبب تغيبي فأجبته بقصة من تأليفي _ كالعادة كنت أعشق تأليف القصص على الحراس العام لتبرير غيابي والحصول على ورقة سماح _ سمعها بتمعن وانتظر إلى حين أنهيت كلامي فأجابني بكل برود: ” لن تدخل الأقسام مجددا سوى بحضور ولي أمرك”..